الخميس، 9 ديسمبر 2010

أسباب الرزق الحلال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الرزاق هو معطي الرزق، ولا تقال إلا لله تعالى، والأرزاق نوعان، الأولى (ظاهرة) للأبدان كالأكل.. والأخرى (باطنة) للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم.

أسباب الرزق

أولاً: الاستغفار والتوبة، قال الله تعالى: ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً . يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً )نوح:10-12

ثانياً: التوكل على الله، الأحد الفرد الصمد، روى الإمام أحمد والترمذي وغيره، بسند صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)) قال الله تعالى: ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً ) الطلاق:3

ثالثاً: من أسباب استجداب الرزق، عبادة الله، والتفرغ لها، والاعتناء بها، أخرج الترمذي وابن ماجه وابن حبان بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يقول: يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأَسُد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً، ولم أَسُد فقرك)).

رابعاً: من أسباب الرزق، المتابعة بين الحج والعمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد))

خامساً: مما يُستجلب به الرزق، صلة الرحم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنْسَأ له في أثره، فليصل رحمه)) رواه البخاري.

سادساً: من أسباب الرزق أيضاً، الإنفاق في سبيل الله، قال الله تعالى:وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]. روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: ((يا ابن آدم أنفِقْ أُنفِقُ عليك))

سابعاً: من أسباب الرزق ومفاتيحه، الإحسان إلى الضعفاء والفقراء. وبذل العون لهم، فهذا سبب في زيادة الرزق وهو أحد مفاتيحه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم)) رواه البخاري.

ثامناً: من مستجلبات الرزق، المهاجرة في سبيل الله، والسعي في أرض الله الواسعة، فما أغلق دونك هنا، قد يفتح لك هناك، قال الله تعالى : (وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِى الأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً )
[النساء:100]

سبحان الله وبحمده .. سبحان ربي العظيم

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

الرزق شريان الحياة


" الرزق شريان الحياة "
حسين محمد أبو بكر
خريج جامعة القاهرة بمصر، عام 1983م

إن من أكثر المخلوقات تعلقا باسم من أسماء الله الحسنى هو " الرزاق " فبدونه يموت الخلق ويفنى وبوجوده يعيش ويحي . وقد وهب الله الرزق على كل مخلوق حي بقدر معلوم إنسانا كان أو جانا , حيوانا كان أو نباتا , ثابتا في مكانه كان أو متنقلا , وقسم الرزق بين عباده ليس في الحياة الدنيا فحسب بل في الدار الآخرة " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا " وفي آية أخرى " ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا" . فالرزق في الحياة الدنيا مقسوم والأجل فيها محتوم ، فلا يموت المرء حتى استوفى رزقه وأجله :
          فكم من صحيح مات بغير علة  *  وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
نعم إن كثيرا من الأصحاء والأغنياء ماتوا لما انقضى أجلهم وانقطع رزقهم فلا تأخذ نفس نفسا عمره يوما واحدا ولا أحد أحدا من رزقه شيئا ،  فقد مات الصحيح فجأة بغير علة والغني بغتة بغير سبب فلو رغب النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعيش عمر الدنيا لكونه خاتم النبيين والمرسلين وأمته آخر الأمم ليرى ما فعلوا أمته جيلا بعد جيل وعاما بعد عام من اختلاف بعضهم بعضا في تفرقهم بين الفئات والأحزاب والشيع وتقاتلهم لأسباب من الفتن وغيرها إلى يوم القيامة لما كان ذلك عند الله مستحيلا حيث جاء في الأثر لما احتضر النبي صلى الله عليه وسلم جاءه الملك عزرائيل وسلم عليه فقال له النبي "أجئت زائرا يا عزرائيل أم قابضا" فقال "إن الله تبارك وتعالى يقرئ عليك السلام ويهب لك خيارا بما تشاء حياة أو مماتا"  فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " فإلى الرفيق الأعلى" عند ذلك نفد رزق النبي صلى الله عليه وسلم في آخر مرضه وقبضت روحه الطاهرة واستسلمت لتلقى ربها في المقام الجلي الأعلى .      
ولو كان هناك غني عمر لكثرة ماله وسعة ملكه لعمر النبي الملك  سليمان عليه السلام لكنه لما انقطع رزقه خرّ ومات , هنا ندرك أن الرزق الحقيقي للحياة هو ما دخل في الجوف وهضم فيه  وليس في الأموال والثراء والملك , فلو عاش الصحيح السليم بغير مرض أصابه  لعاش فرعون اللعين قيل أنه لا يمسه مرض ولا علة طول حياته - الله أعلم - لكن الله يقضي أمره كان مفعولا  بأن يموت غريقا مهينا أسلم الله بدنه شاهدا في متحف القاهرة بميدان التحرير لأنه كان ملكا من ملوك مصر القدماء حيث أخبرنا به القرآن الكريم على لسان  فرعون متسائلا لقومه " أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي أفلا تبصرون؟ " لقد بقي فرعون مشهودا جسدا وصدق الحق تبارك وتعالى   "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية " . 
وقال بعض الحكماء لن يموت المرء حتى يأخذ رزقه كاملا غير منقوص ولو كان ذلك على جبين الأسد ، فهل يستطيع أحد أن يقترب من الأسد الحي فهذا تشبيه جميل من أن الرزق سيأخذه صاحبه لا محالة حيثما كان ، ولو كانت لقمة العيش من الطعام ليس برزقه داخل فمه فلن يستطيع ابتلاعها وإدخالها في جوفه مطابقة تماما لما قاله الشاعر في وصف المنية بعد انقطاع رزق مقسوم ومجيء أجل محتوم :
وإذا المنية أنشبت أظفارها  *  ألفيت كل تميمة لا تنــفع
فقد شبه الشاعر الموت استعارة تصريحية  لاختفاء وجه الشبه - في علم البلاغة -  بالأسد الهائج عندما أبرز مخالبه وأظهر أنيابه ، وأخرج صوت أزيره المرعب ليف ترس الإنسان أو غيره فلا تنفعه تميمة علقت على عنقه ولا رقية  قرأت عليه ولا دواء يشرب به ولا طبيبا يداويه  لينجو من الموت المحقق ، وإذا بقي له رزق من حبة رز أو قطرة ماء من  فلن يخرج أنفاسه الأخيرة حتى ولو مزق جسده وهمش حتى ينفد .
السعي في الرزق
لقد شاء الله أن يكون الرزق محصولا من السعي والجهد ، عندما جاء المخاض على مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها ونفخت فيه روح من ربها أمر الله أن تهز بجزع النخلة وهي في حالة ضعف بدني شديد واضطراب نفساني عظيم لا مثيل له من مشهد الناس فلا حول لها ولا قوة وستكون هي أما لولدها بغير زوج قامت بهز جزع النخلة فتساقط عليها الرزق الحلال من رطب جني " وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا " .
منطقيا ، كيف تستطيع هذه المرأة الضعيفة المسكينة أن تهز جزع النخلة القائمة على أصولها ثابتة قوية وهي في مقتبل من الولادة  ألما ومخاضا ؟ والجواب أن الذي أمرها هو ربها الرزاق ورب النخلة ولو أراد الله أن يسقط عليها الرطب من غير هز ولا رج  لوقع  عليها بيسر وسهولة " إنما أمره  إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" لكن هنا درس الهي مفيد من أن الرزق في الدنيا لم يأت إلا بالسعي والجهد بخلاف الرزق في الجنة يوم القيامة فلا سعي فيها ولا جهد فواكهها قريبة متناولة لأهلها " قطوفها دانية " .        
 وفي السيدة هاجر القبطية أم النبي إسماعيل عليه السلام وامرأة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام  سعت أربعة أشواط بين الصفا والمروة بحثا عن رزق حلال لها ولولدها فتفجر خلالها ماء زمزم بإذن الله لتروي وتسقى وليدها إسماعيل عند بيت الله المحرم .
لكن السعي والتوكل في طلب الرزق مطلوب ، وجاء في الحديث " لو توكلتم حق توكلكم لرزقكم الله كما رزق الطير تغدو خماصا  وتعود بطانا " . فبعض الناس لم يتوكلوا على الله حق التوكل خاصة الكفار منهم وإنما اهتموا بالسعي في جمع الأموال جمعا أما المسلمون فكثير ما نسوا التوكل أو تناسوا وبعضهم اهتموا بالتوكل والدعاء فقط  دون السعي في طلب الرزق . قيل إن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه  رآى شابا في المسجد من غير وقت الصلاة فسأله  ما بالك في المسجد من غير وقت الصلاة ؟ فقال أدعو الله , فقال عمر " أخرج للسعي في طلب الرزق فان الله لم يمطر ذهبا "    
 فالطيور في أعشاشها والوحوش في كهوفها والحيات في حجرها والحيتان في الأعماق كلها لم تبق في مكانها وإنما طارت في الصباح بحثا عن الطعام لأفراخها وأخرى خرجت أو سبحت للصيد بحثا عن طعام لصغارها وكذا الناس أشتات في السعي فبعضهم خرجوا إلى المزارع والمدارس وغيرهم إلى المكاتب والمحلات" إن سعيكم لشتى"  فالخلق كله بفطرته يطلبون رزقا ليسد قوته وأسرته . . .الرزق شريان الحياة .  
تقسيم الرزق
وينقسم الرزق إلى ثلاثة أقسام : قسم حلال بيّن وقسم حرام بيّن وقسم فيه شبهة بين الحلال والحرام ، فالمسلم التقي يكسب رزقا حلالا طيبا من حصيلة العمل التجاري والإداري والمهني  وغيرها لأن فيه بركة له في الدنيا وسلامة له في الآخرة من سؤال أحكم الحاكمين عن مصادر رزقه  فيما اكتسبه وإلى أين أنفقه فلا يأكل أكلا ولا يلبس لباسا ولا يركب مركبا إلا إذا تأكد من صحة مصادره حلالا أم حراما لا ثالث لهما .
 وقسم من الرزق فيه حرام .  وقد حذر النبي الرؤوف محمد صلى الله عليه وسلم أمته تحذيرا شديدا لمن أكل تمرة واحدة اكتسبها من حرام فأي لحم نبت فيه حرام فالنار أولى به  فكيف إذا كان رزقه من طعام شهي أو ملبس جميل أو مركب وثير أو مسكن فخور أو مبلغ مختلس من أموال الدولة أو الأفراد أو المؤسسات أو أكل أموال اليتامى ظلما فلا شك أن مأواه جهنم و بئس المصير . . .  والعياذ بالله .
 وقسم من الرزق لم يبيّن فيه حلاله وحرامه فهو داخل في باب الشبهات كأموال مفقودة عثرت عليها في الطرقات أو كانت منسية في مكان ما لم نعرف صاحبها ، فالمسلم الورع يبتعد عن كل الشبهات لتبرئة دينه وعرضه فيخاف أن يوشك في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى .
أشتات الرزق
فلا شك من أن الرزق أساس شريان الحياة على كل مخلوق فمن الناس من اكتسب رزقه من علمه وخبرته كالعلماء والمهنيين ومنهم من اكتسب رزقه من يده كالخطاط والرسام والكتّاب والحلاق ومنهم من اكتسب رزقه من رجليه كلاعب كرة القدم ومنهم من اكتسب رزقه من صوته وتمثليه كالفنان والمطرب والممثل المسرحي بل منهم من اكتسب رزقه من التكفف على الناس وهم المتسولون من المعاقين والفقراء وأطفال الشوارع  بل أسوأ من ذلك من اكتسب رزقه  حراما بأخذ أموال الناس بالباطل واحتيالهم  بها والنصب عليها بالقوة والخدعة فهذا الأخير منهي عنه ومعاقب عليه  إلا إذا تاب وتاب الله عليه .
فالحيوان اكتسب رزقه بطريقته الخاصة التي ألهمه الله إليها وكذلك النباتات التي لم تتحرك في مكانها بحثا عن طعامها ليست كالإنسان والحيوان لكن الله جلت قدرته وعظم شأنه فالرزق لهذه النباتات غريب فقد يكون من ضربات أشعة الشمس وقد يكون مادة مغذية في باطن الأرض وسمادها فتتغذي بها التي تنبت فيها تلك النباتات وقد يكون الرزق من الماء الذي يرش عليها المزارعون أو من الأمطار التي تنزل عليها وأغرب من ذلك كله بعض النباتات تتزوج وتتغذي بهبة الرياح  فسبحان الله في خلقه شئون .
فالرزق ضرورة من ضرورات الحياة فكل مخلوق حي يسير في البر أو يسبح في البحر أو يطير في جو السماء فمتى انقطع شريانه مات وانقضي فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وحياة كل شيء ومصير كل شيء فهو يطعم ولا يطعم وهو الرزاق الوهاب ذو القوة المتين .     

الثلاثاء، 14 سبتمبر 2010

"فقه الحياة" يناقش قضية الرزق، والدكتور القرضاوي يرشد إلى ضوابط وآداب طلبه


قضية الرزق


ناقشت الحلقة العشرون من "فقه الحياة" قضية تشغل جميع الناس، لأنها تتعلق بمعاش الناس ما تعلّق منه بمفردات حياتهم اليومية من طعام وشراب وملابس ومواصلات وفواتير الحياة الكريمة، أوما تعلّق بالقلق على المستقبل وتأمينه؛ إنها قضية الرزق.
يشرع الدكتور يوسف القرضاوي بتأكيد أمر أساسي لابد أن يستقر في قلب كل مؤمن حتى تستقيم عقيدته، وهو أن الرزق مكفول من الله تعالى القائل: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها" والقائل: "وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
فما دام الرزق أمر مكفول من الله وجعله الإسلام مسألة عقيدة، فإن الخلل في التعاطي مع هذه القضية ينحصر في تعاطي الناس مع طلب الرزق وذكر الشيخ بعض الصور التي يحدث فيها الإلتباس عند الناس في هذه القضية الشائكة ومن ذلك: قعود بعضهم عن طلب الرزق على اعتبار أنه مكفول من الله وظنهم أن ما هم عليه هو التوكل، وفي هذا من الغفلة عن سنن الله الذي وضع قانون السببية.
إن توجيه الإسلام واضح ومحدد فإنه يطلب من أتباعه عمارة الأرض والسعي في مناكبها والأخذ بالأسباب بعزيمة وجد واتقان، ولكن دون أن ينعقد في قلوبهم الاعتقاد أن الأسباب تؤثر بذاتها أو أنها هي التي تمنح الرزق يقول تعالى: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" فالله تعالى الخالق ورب الأرباب ومسبب الأسباب يملك الرزق ويقسمه بحكمته بين العباد وطلب إلينا السعي بجوارنا للحصول عليه، وفي نفس الوقت طلب منا أن نعلّق قلوبنا به فهو مصدر الرزق. فنحن أمام معادلة أن تسعى الجوارح للأسباب أما القلب فلا يجوز أن يسعى إليها بل يسعى للرزاق.
الإسلام لا يحصر الرزق في أمور المعاش فقط فهداية عبد إلى العلم النافع هو رزق له لذلك فإن النبي كان يدعو بأن يرزقه علما نافعا، وإيتاء الحكمة لعبد هي رزق وفير وخير كثير يقول تعالى: "ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يتذكر إلا أولوا الألباب"، والعمل الصالح المتقبل رزق حرمه الله الكثير من الناس، وحب الملائكة والناس لشخص هو كنز كبير، والزوجة الصالحة ثروة، والأولاد رزق ونعمة يدفع في سبيل تحصيلها الناس ثروات طائلة وعيادات معالجة العقم تشهد بذلك.
وعن الرزق بالسلب يتحدث الدكتور على نوع هام من الأرزاق مغفول عنها عند كثير من الناس وهو أن الله يكف عن بعض المحرومين من وفرة المال الكثير من المصائب والابتلاءات فصحتهم وصحة أطفالهم وافرة، ومتّعهم الله بأسماعهم وأبصارهم وقواتهم، ونجّاهم من أقضية ساءت غيرهم من حوادث الغرق والحرق وغيرها.
وفي ختام الحلقة أرشد الدكتور القرضاوي إلى ضوابط وآداب طلب الرزق ومن ذلك:
•    التوكل الحقيقي على الله تعالى لأنه مسبب الأسباب ومنزل البركات وهو من يجعل القليل أخير وأنفع من الكثير.
•    اليقين بأن عطاء الله الرزق رحمة، وأن في منعه حكمة، والرضا بما قسم الله ومعرفة أن الحيلة لا تفيد في الحصول على الرزق وأن الرزق ليس له علاقة بالذكاء ولا الشطارة
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا    إذنن لهلكــت من جهلهـــن البهـــائـــم
•      اجتناب الحرام تماما في طلب الرزق فأيما لحم نبت من مال حرام فالنار أولى به، وبعض الواهمين يروم تكثير ما عنده بمال حرام، فيعامله الله بعكس ما أراد فيتلف له سائر ماله، وهنا يستذكر الشيخ عبارة سارت مثلا في الريف المصري، تقول العبارة "حط الحرام على الحلال عشان يكتره، قام الحرام جيه للحلال وبعتره".
•    أثناء طلب الرزق فإنه لا يحل ترك الفرائض ولا يجوز التغافل عن حقوق الله، يقول تعالى: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمع يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار"، فلا بارك الله في عمل أو مال أو ولد أشغل عن الله.
http://www.iqraa-tv.net/ar/NewsDetails.aspx?newsID=50A109A119B107C53 

الرزق وما أدراك ما الرزق ؟



د. هاني مكروم الرزق 
مصادر الرزق في الدين الإسلامي


وما أدراك ما الرزق؟ إنه هبة من عند الرزاق الذي لا تنفد خزائنه ـ جل شأنه ـ فأي شيء أوسع من ذلك! فكيف تضطرب العقول قلقاً وخوفاً من ضيق الرزق! إن مَن يُخلق يتنزل رزقه من السماء ومَن لا يُخلق أو يمت ينقطع رزقه، وكل شيء بقدر، ولا تُخلق نفس بدون رزق ت تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. والرزق ليس مقصوراً على المال والمادة فقط، بل يشمل كل شيء، مادي ومعنوي وما لا نعرفه غيرهما، بلا أي استثناء،وقد تأكد ذلك واضحاً جلياً محكماً وصريحاً: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ... ) الآية (سورة الحجر: 21). سبحانك ربي، الشيء الواحد له خزائن وليس خزينة واحدة! تباركت ربي وتعاليت. الصحة رزق ينزل من السماء بمقادير محددة معلومة وتوقيتات معجزة. الشهيق رزق، شربة الماء رزق ولا ندري كم مليون من المخلوقات رزقت بجزئيات شربة الماء قبل أن تصلنا، ولا كم مليون من المخلوقات ستنتفع بها بعدنا! ولو كان في مقدور أحد جزئيات الماء أن ينطق لأخبرنا بأفضل مما في كتب التاريخ والعلوم. نحن نبتلع الماء ـ وغيره ـ بالجرعة، ولكن الله يقدره بالذرة وما دونها، ولكل ذرة تاريخ أوسع وأطول كثيراً من تاريخ الإنسان ـ ذلك المغرور ـ ولها مسار مرسوم إلى يوم الوقت المعلوم. وكم من إنسان رفع كوب الماء إلى فيه ولم يتمكن من شُربه، وكل ميت دخل الشهيق في صدره ولم يقدر له الخروج، فلن يخرج هذا الشهيق إلا في القبر، مع الزفير الخاص! وجدير بالذكر أن الإيمان بأن للرزق مُقدراً لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب، بل الإيمان يوجب الأخذ بها، ولكن يحدث الخطأ حين يبالغ الناس في شدة الربط بين الرزق والتحايل عليه، إذ لو كانت حقيقة الرزق بالحيلة لتحول الإنسان من مرزوق إلى رازق، وهذا مستحيل. العلم رزق بلا حدود ولا تنفد خزائنه لكن: (... وما ننزله إلا بقدر معلوم) الآية (سورة الحجر: 21)، وهذا القدر المعلوم يحسبه الجهلاء نتيجة محضه للبحث العلمي وحده. الحكمة رزق عظيم، الفرصة رزق يسوقه مدبر الكون بتوقيتات يسميها الجاهل صدفاً. المعلومات رزق لمن يسعى، الوقت رزق، السكينة رزق. وكل هذه الأنواع وأضعاف أضعافها نعم لا تحصى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ... ) الآية (سورة النحل: 18). ولكن مَن يوقن ومَن يشكر! قليل!! فمن يتفكر يجد الطمع وعدم الثقة بما عند الله سبباً لأغلب الهموم، ووراء معظم الخلافات، رغم أن الرزق مقسوم ومقدر، وبالصبر والمثابرة يمكن تحصيله بالحلال، لكن الجاهل يتعجله في الحرام!! رغم أن تاريخ كل ذرة يتعامل معها الخلق مقدر ومسجل سلفاً في كتاب الله. إن إنسان العصر يُهلك (أو يستهلك) أضعاف ما كان يستهلكه جده، ويسمى ذلك ارتفاعاً في مستوى المعيشة!! يلهث جرياً وشقاء بهدف جمع الأموال من أي مصدر لينفقه أو يهلكه بعد ذلك فيما يلهيه عن ذكر الله، وفي غير الضروريات وفيما لا يلزم! بل وفيما يضر، ولا يعرف ما هي حدود حاجته ويسمى ذلك طموحا! كم من الزيجات لم تتم بسبب الخلاف على السجاد والستائر، أو غسالة الأطباق!
----------------------------------

يا باحثا عن الرزق، توكل على الرزاق

 

حكي أن حاتما الأصم كان رجلا كثير العيال، وكان له أولاد ذكور و إناث، ولم يكن يملك حبة واحدة، وكان قدمه التوكل. فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم فتعرضوا لذكر الحج، فداخل الشوق قلبه، ثم دخل على أولاده فجلس معهم يحدثهم، ثم قال لهم: لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجا، و يدعو لكم، ماذا عليكم لو فعلتم؟

فقالت زوجته و أولاده: أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا، و نحن على ما ترى من الفاقة، فكيف تريد ذلك و نحن بهذه الحالة؟

وكان له ابنة صغيرة فقالت: ماذا عليكم لو أذنتم له، ولا يهمكم ذلك، دعوه يذهب حيث شاء فإنه مناول الرزق، و ليس برازق، فذكرتهم ذلك.

فقالوا: صدقت و الله هذه الصغيرة يا أبانا، انطلق حيث أحببت.

فقام من وقته و ساعته و احرم بالحج، و خرج مسافرا و أصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم، كيف أذنوا له بالحج، و تأسف على فراقه أصحابه و جيرانه، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة، و يقولون: لو سكت ما تكلمنا.

فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء و قالت: إلهي و سيدي و مولاي عودت القوم بفضلك، و أنك لا تضيعهم، فلا تخيبهم و لا تخجلني معهم. فبينما هم على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيدا فانقطع عن عسكره و أصحابه، فحصل له عطش شديد فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم الأصم فاستسقى منهم ماء، و قرع الباب فقالوا: من انت؟

قال: الأمير ببابكم يستسقيكم.

فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء و قالت: الهي و سيدي سبحانك، البارحة بتنا جياعا، و اليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا، ثم أنها أخذت كوزا (وعاء صغير للشرب) جديدا و ملأته ماء، و قالت للمتناول منها: اعذرونا، فأخذ الأمير الكوز و شرب منه فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال: هذه الدار لأمير؟ فقالت: لا و الله، بل لعبد من عباد الله الصالحين عرف بحاتم الأصم.

فقال الأمير: لقد سمعت به.

فقال الوزير: يا سيدي لقد سمعت انه البارحة احرم بالحج و سافر ولم يخلف لعياله شيئا، وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا.

فقال الأمير: ونحن أيضا قد ثقلنا عليهم اليوم، و ليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم. ثم حلّ الأمير منطقته من وسطه و رمى بها في الدار، ثم قال لأصحابه: من أحبني فليلقِ منطقته، فحل جميع أصحابه مناطقهم و رموا بها إليهم ثم انصرفوا.

فقال الوزير السلام عليكم أهل البيت لآتينكم الساعة بثمن هذه المناطق، فلما نزل الأمير رجع إليهم الوزير، و دفع إليهم ثمن المناطق مالا جزيلا، و استردها منهم. فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاء شديدا.

فقالوا لها: ما هذا البكاء إنما يجب أن تفرحي، فإن الله وسع علينا.

فقالت: يا أم، والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعا، فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة، فأغنانا بعد فقرنا، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى احد طرفة عين، اللهم انظر إلى أبينا و دبره بأحسن تدبير. هذا ما كان من أمرهم.

و أما ما كان من أمر حاتم أبيهم فإنه لما خرج محرما، ولحق بالقوم توجع أمير الركب، فطلبوا له طبيبا فلم يجدوا، فقال: هل من عبد صالح؟ فدلّ على حاتم، فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته، فأمر له بما يركب، و ما يأكل، و ما يشرب. فنام تلك الليلة مفكرا في أمر عياله، فقيل له في منامه: يا حاتم من أصلح معاملته معنا أصلحنا معاملتنا معه، ثم أخبر بما كان من أمر عياله، فأكثر الثناء على الله تعالى، فلما قضى حجه و رجع تلقاه أولاده فعانق الصبية الصغيرة و بكى ثم قال: صغار قوم كبار قوم آخرين وإن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به فعليكم بمعرفته و الاتكال عليه، فإنه من توكل على الله فهو حسبه.

توكلت في رزقي على الله رازقـــي******** وايقنت ان الله لا شك رازقـــــــي وما يكن من رزق فليس يفوتنـــــي******** ولو كان في قاع البحار العوامق سيأتي به الله العظيــــــــــــم بفضله******** ولو لم يكن مني اللسان بناطــــق فعلى أي شيء تذهب النفس حسرة******** وقد قسم الله رزق الخلا ئــــــــــق

--------------------------------------

 
أسباب الرزق ناصر محمد الأحمد

 


ملخص الخطبة 1- صور من ظلم العمال. 2- أسباب الرزق (التوبة – الاستغفار – التقوى – صلة الرحم - الإنفاق في سبيل الله – التجرد لله – الحج والعمرة – الهجرة في سبيل الله – التوكل على الله).

الخطبة الأولى

 

أما بعد: إن من الهموم التي تسيطر على كثير من الناس مسألة الرزق والبحث عن لقمة العيش، ترى بعض الناس قد تغرب عن أهله ووطنه، وآخرين قد ظهر على وجوههم التعب والاجهاد من آثار السعي في جمع المال. وعلى صعيد آخر يعيش مجموعات من الموظفين والعمال تحت رحمة أرباب الأعمال والكفلاء فترى الواحد منهم يعصره، همه الخصومات من مرتبه، فنهاره يترقب القرارات الصادرة من رئيسه التي تتعلق به وبراتبه، وفي الليل تسيطر عليه كوابيس شتى فهو يعيش في رق الوظيفة ليله ونهاره. ويسهم أيها الأحبة إسهاماً كبيراً في جعل هذه القضايا ظواهر ذات نطاق واسع فئة من أصحاب المؤسسات والشركات ممن لا يخافون الله عز وجل، يتعاملون مع الموظف والعامل كما يتعاملون مع الآلات، وعند الله تجتمع الخصوم. هذه طبيعة الدنيا لا يصفو فيها حال إلا بشئ من الكدر. فنذكر إخواننا المسلمين على اختلاف طبقاتهم من غني وفقير وكفيل ومكفول ورئيس ومرؤوس، نذكرهم جميعاً بأنهم لن يصلهم من الدنيا إلا ما قدّر الله لهم، فقد كتب الله جل جلاله رزقك يا ابن آدم وأنت في بطن أمك. أيها المسلمون: يوجد هناك من يعتقد أن التمسك بالإسلام والالتزام بأوامر الله يعتقد أن هذه الأمور لا تجتمع مع الغنى، وهذا سوء ظن بالله عز وجل. إنك أخي المسلم تدعو ربك في كل صلاة فتقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فهل تدرك معنى هذه الدعوة؟ لقد كان هذا أكثر ما يدعو به المصطفى صلى الله عليه وسلم. إنه سؤال الرب عز وجل أن يؤتيك من الدنيا ما تتعفف به عن الآخرين وتكتمل لك السعادتان سعادة الدنيا وسعادة الآخرة. إذن شرع الله لا يهمل مسألة الرزق وكسب العيش، بل إن التمسك بشرع الله حقاً من أعظم أسباب الرزق، وذلك أن تعمل بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. أيها الأحبة: سأذكر لكم في هذه الخطبة بعض ما جاء في شرع الله من أسباب كسب الرزق وزيادته ونماءه، لكن قبل ذلك ينبغي أن نعلم جيداً بأن ما يُذكر لا ينتفع به صاحبه وإن فعله وطبقه إذا ضعف يقينه بالله، هذا إن فعل فكيف بالذي لا يفعل ما يذكر به، فاحذر أخي المسلم وأنت تسمع نصوص الكتاب والسنة أن يضعف يقينك في كلام الله وفي كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فرقٌ بين من يعمل العمل وهو يستيقن أن الله عز وجل وعده صدق وكلامه حق وبين من يقرئه وهو متردد في ذلك. إن من أعظم أسباب الرزق أيها المسلمون المؤمنون: التوبة إلى الله، والرجوع إليه واستغفاره، قال الله تعالى: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً . نعم يوجد فئات كثيرة من المستغفرين ربما يستغفرون كثيراً لكنهم لا يزدادون إلا فقراً، فتسأل؟ الجواب: أنه استغفار اللسان فقط، هذا الاستغفار الذي ربما أنت تستغفره كل يوم وبعد كل صلاة قد يكون نوعاً من العبث، بل إن استغفارك أخي المسلم دون وعي ودون عمل ربما يكون ذنباً يجب عليك أن تقلع منه، ولذلك قال أحدهم: استغفر الله، من استغفر الله من كلمة قلتها لا أدري معناها. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآيات السابقة: إي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وسقاكم ربكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض وأنبت لكم الزرع وأدرّ لكم الضرع وأمدكم بأموال وبنين أي أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها بالأنهار الجارية بينها. قل لي بربك أيها المؤمن: هل في يوم من الأيام - واستعرض شريط حياتك - هل في يوم من الأيام لما ضاقت بك السبل وضاق عليك أمر المعاش لجأت إلى الله تعالى بالإستغفار والتوبة. أدع الجواب لك. شكى رجل إلى الحسن البصري شدة الجدب ونقص الماء فقال له: استغفرالله. . وشكى آخر الفقر فقال له: استغفرالله. . وقال ثالث: يا أبا سعيد أدعوا الله أن يرزقني الولد فإني عقيم، فقال له: استغفر الله. . وشكى رابع جفاف بستانه فقال له: استغفر الله. . فقال أحد الجالسين: أتاك رجالاً يشكون أنواعاً فأمرتهم جميعاً بالاستغفار، فقال الحسن رحمه الله إن الله تعالى يقول: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً . أيها المسلمون: وممن تفطن لثمرة الاستغفار وأنه من أسباب الرزق نبي الله هود عليه السلام حيث قال: ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين . فيا أيها الأحبة إن كلام الله حق وصدق، فإذا ما استغفرت يا عبد الله ولم تجد نتيجة فاعلم أن الخلل فيك أنت لا في غيرك، وأن استغفارك لم يتجاوز اللسان، فابحث في حالك وفتش في نفسك، لعلك واقع في ذنب عظيم حرمك الله بسببه أثر الاستغفار. ومن أسباب الرزق، بل ومن أعظم أسباب الرزق الشرعية: تقوى الله عز وجل في السر والعلن والخوف منه وامتثال أمره واجتناب نهيه والبعد عن المعاصي قال الله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب قال ابن كثير رحمه الله: أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي من جهةٍ لا يخطر بباله. قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن أكبر آية في القرآن فرحاً ومن يتق الله يجعل له مخرجاً . وقال تبارك وتعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون أين نحن أيها المسلمون المؤمنون بنصوص الكتاب والسنة من هذه الآيات، أين الذين يخافون على أرزاقهم إذا تركوا العمل المحرم، أين الذين يظنون أنه لن يتقدم اقتصاد المسلمين إلا إذا ربط باقتصاد الغرب من يهود ونصارى، ألا يقرؤون هذه الآية: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض إنه ليس رزقاً بسيطاً تحصل به الكفاية، كلا، لكنه فتح من الأرض وفتح من السماء، ولو فتح الله باب السماء للعبد والمجتمع والأمة فمن الذي سيمنعه أو يوقفه أو حتى ينقصه ويقلله، فلماذا يربطون اقتصادهم بالكفار؟ ولماذا يخافون من أزمات اقتصادية كما يقال وبين أيدينا إن كنا مسلمين حقاً هذه الآيات الواضحات البينات. قال الله تعالى: ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم وقال جل جلاله: وألّوا استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً وقال سبحانه: لئن شكرتم لأزيدنكم . كثير من المسلمين من أصحاب الشركات والمؤسسات بل وبعض الموظفين يعلمون أنهم يقعون في مخالفات شرعية بغض النظر عما يظهرون من القول، هم يعلمون قبل غيرهم جيداً أنهم يقعون في محرمات كالربا والقمار والعقود المحرمة والتعاون على الإثم، وبعضهم يعلم يقيناً أنه قد تورط، لكن حب المال والخوف من الفقر يجعلهم يتمسكون بالحرام وأحسن منهم حالاً من يقول لك: أعطني إذا سمحت البديل حتى أترك ما أنا فيه من المحرمات. فيا سبحان الله كيف تريد البديل من الله وأنت لم تترك المحرم ابتداءً من أجله، ثم أنت وحدك المسؤول عن المحرم الذي فعلته، والبديل هو الترك أولاً. وثانياً: ينبغي أن تعلم أنت وغيرك بأن الفتح من الله لن يحصل إلا إذا صدق اعتماد العبد عليه وكمل يقينه بموعود الله. ولبعض الصالحين تجارب كثيرة مع هذه الآيات وكيف أن تقوى الله عز وجل والخوف منه مع الصبر يفتح أسباباً من الرزق لم تدر في خاطره يوماً من الدهر. إن القضية تحتاج منا إلى جرئة وعزيمة إيمانية يعاهد العبد ربه على التقوى وترك المحرم، وبعد ذلك ينتظر الفرج من رب كريم رحيم لا تنقص خزائنه ولا ينقطع خيره. - وأيضاً من الأسباب المؤدية إلى كثرة المال والرزق في الدنيا: صلة الرحم. نعم صلة الرحم. والمقصود بالرحم هم الأقارب، وهم كل من بينك وبينهم نسب من جهة الولادة سواءً كان ذلك من طريق الأب أو الأم. وصلة الرحم معناه تقديم الإحسان بكل أنواعه حسية ومعنوية، وسواءً كانوا صغاراً أو كباراً نساءً أو رجالاً يسكنون في بلدك أو بعيدون عنك، روى الامام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه)) ولهذا بوب البخاري رحمه الله فقال: باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم. لعلك أخي المسلم تستغرب إذا وجدت بعض المسلمين قد فتح الله لهم أبواب تلو أبواب من الرزق وهم قليلو النشاط وضعيفو الخبرة قياساً بغيرهم من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، ولكنك إذا فتشت عن حاله وجدته ممن يصل رحمه، بل لا تستغرب أخي الحبيب إذا أخبرتك بأن بعض العصاة والفساق بل وبعض الفجرة قد تنمو أموالهم بسبب صلة الرحم، اسمع لما رواه ابن حبان في صحيحه بسند جيد عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة له من قطعية الرحم، والخيانة، والكذب، وإن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا)). إن هذا الحديث يفسر لنا ظاهرة ربما كانت موضع استغراب عند كثيرين، نعم أيها الأحبة: ((إن اهل البيت ليكونوا فجره، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا)). - ومن أسباب فتح أبواب الرزق: الإنفاق في سبيل الله. فمتى ما أنفقت من مالك يا عبد الله كان ذلك سبباً لكثرته، وهذه قاعدة صحيحة في باب الرزق، كلما أخرجت زاد المال لا كما يظن الماديون أنهم ينقص إذا أخرج زكاته أو تصدق قال الله تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: أي مهما أنفقتم من شيء مما أمركم الله به وأباحه لكم فهو يخلفكم ويخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، ولذا لما أمر الله عز وجل بالإنفاق في سبيل الله قال بعد ذلك الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم قال ابن القيم رحمه الله: إن وعد الشيطان لابن آدم بالفقر ليس شفقة عليه وليس نصيحة له، وأما الله عز وجل فإنه يعد عبده مغفرة منه لذنوبه وفضلاً بأن يخلف عليه أكثر مما أنفق وأضعافه، إما في الدنيا أو في الدنيا والآخرة. روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الله تبارك وتعالى: ((يا ابن آدم أنفق أنفق عليك)). ((ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدها: أللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا)) رواه البخاري من حديث أبي هريرة. ((أنفق يا بلال ولا تخش من ذا العرش إقلالا)) رواه البيهقي. بعض المسلمين لا يتصور نفسه من المنفقين، ولا يمكن أن يتخيل أن يكون في يوم من الأيام من الذين ينفقون في سبيل الله إلا إذا كان من أصحاب الملايين وهذا خطأ، لأن كلاً يمكنه أن ينفق بحسبه ووضعه وإمكانياته، فقد يكون الريال الواحد الذي تنفقه في سبيل الله بصدق وإخلاص أعظم من المليون الذي ينفقه غيرك لأنه أراد الشهرة مثلاً، والله هو أعلم بالنيات قال الله تعالى: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف لهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون واعلم بأن هذا الأمر وهو العناية بالضعفاء والمحتاجين من أعظم أسباب الرزق لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم)). - ومن الأسباب الشرعية لكسب الرزق في الدنيا التعبد الحق لله عز وجل وذلك أن تعبد الله بقلب فارغ عما سواه، لا تعبد ربك وأنت تفكر في غيره، روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم: تفرغ لعبادتى أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً، ولم أسد فقرك)) حديث صحيح. والتفرغ المطلوب أيها الأحبة لا يعني ترك كسب الرزق فيصير العبد عالةً على غيره، بل ذلك بأن يفرغ العبد قلبه أثناء العبادة عما سواه، فمثلاً الصلاة، لا تكن من الذين يصلون بأجسادهم وقلوبهم تحلق يميناً وشمالاً. نسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه واتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أقول هذه القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية


أما بعد: وأيضاً من الأسباب في زيادة الرزق في الدنيا: المتابعة بين الحج والعمرة، وذلك بزيارة البيت الحرام كلما سنحت الفرصة سواء كان ذلك لحج أو عمرة، وهذا أمر قد لا يتفطن له كثيرون: أنهم إذا ذهبوا إلى الحج والعمرة كان ذلك سبباً بإذن الله لزيادة الرزق والمال، والله على كل شيء قدير وفضله واسع، روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تابعوا بين الحج والعمرة)) وفي رواية: ((أديموا الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة)). - ومن الأسباب أيضاً: الهجرة في سبيل الله قال الله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومعنى مراغماً: أي سبباً لإرغام أنف أعداء الله، وكم من رجال هاجروا فأغاظوا أعداء الله تبارك وتعالى، فيحصل هذا مع السعة، وهو السعة في الرزق كما فسرها حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. - ومن الأسباب: التوكل على الله حق التوكل، وذلك بأن يعتمد القلب على الله وحده فتُظهِر أيها العبد عجزك واعتمادك على خالقك، روى الإمام أحمد والترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطانا)). - ومن الأسباب: أن تنفق أخي المسلم من مالك على طلبة العلم الشرعي، وهذا باب مع كل أسف غفل عنه الكثيرون، فتراه ينفق على فقير محتاج، لكن إذا دعي لمشروع دعوي من أجل طلب علم شرعي، أو حلقات تحفيظ القرآن الذي هو أعظم العلم تراه يحجم ولا يشارك ويقول بأن سد حاجة الفقير أولى، وهذا خطأ أحياناً. خذ هذا المثال: الإنفاق على الجهاد في سبيل الله يكون في كثير من الأحيان أعظم من إطعام فقير، لأن الفقير لا يموت جوعاً، أما الجهاد إذا عطّل في الأمة كما هو الآن فإن الأمة كلها قد تنكب ويصيبها الذل والهوان، وليس باب العلم الشرعي بأقل من باب الجهاد لأن ذاك جهاد بالسيف والسنان، وهذا جهاد بالقلم والبيان، والأمة محتاجة للأمرين معاً , روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: كان إخواني على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم – قال الشارح: أنه يأتيه لطلب العلم – والآخر تحترف – يعني عنده صنعة – فشكى المحترف أخاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام: ((لعلك ترزق به)). وقد ذكر بعض أهل العلم أن المتفرغين لطلب العلم الشرعي داخلون في قوله تعالى: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً . أيها المسلمون: لا شك أن الرزق في الدنيا والسعي فيها أمر يحرص عليه كل مسلم بلا استثناء، ولا شك أيضاً بأن العاقل من سلك هذه الأسباب الشرعية التي مر ذكرها. وخير من ذلك كله أن ترتفع همة الصبر عند العبد، فينظر ببصيرته إلى نعيم الآخرة، إلى تلك الدار التي لا يلحقها فناء ولا يكدر صفوها موت أو مرض، ولذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة)).

من المكتبة الرزق والمال بين السنة والقرآن في خضم حياتنا المعاصرة كثرت التساؤلات والاستفسارات حول تعاملات المال من حيث مصارفه الشرعية وحلاله وحرامه بعد ان اصبح المسلمون حيارى حول كثير من القضايا المتعلقة به وتعدد الاجابات عن السؤال الواحد.وكتاب “الرزق والمال بين السنة والقرآن” للباحث الاسلامي ماهر احمد الصوفي يقدم اجابات واقعية وحلولا معاصرة مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وفق الواقع والمستجدات التي طرأت على حركة الرزق والمال في العصر الحديث ولضخامة العمل فقد جعل المؤلف كتابه من جزأين.في الفصل الاول يقف ماهر الصوفي عند مفهوم الرزق الذي يعني كل ما أوجده الله تعالى على الارض من خير وجعله حركة الحياة والوجود كله والسبب الرئيسي في بقاء الجنس البشري على الارض والرزق نوعان، الاول: رزق لا يؤكل ولا يشرب ولكن يتداول في تأمين كامل سبل الحياة كالخشب والمعادن والتراب والحجر والنفط وتأمين الاقوات والارزاق عملية معقدة وشائكة جدا بالنسبة لنا ومن عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى يضيف المؤلف: ان جعل للبشرية كفايتها من الرزق ثم كفله وتعهد ببقائه على الارض وخاطبنا في هذا.قال الله تعالى: “وفي السماء رزقكم وما توعدون” سورة الذاريات آية - 22 - وقال الله تعالى “وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين”. سورة هود - آية 6 - وقال ايضا “وكأين من دابة لا تحمل رزقها اللهُ يرزقها واياكم وهو السميع العليم” - سورة العنكبوت آية 60. منظور اخلاقيواذا اتجهنا الى المنظور القرآني في تصويره للعلاقات المالية فإننا نجد ان أسس العلاقات المالية التي صورها القرآن الكريم اعتمدت على الاخلاق السامية بتوجيه إلهي. وذلك لأن محور العلاقة بين الافراد يدور حول “الرزق والمال” فإذا لم تكن التربية والاخلاق سنام هذه العلاقة، كما يقول المؤلف، فإنها تجنح نحو طريق الفساد الذي يصعب اصلاحه او تنسيقه بما يتناسب مع الحياة الفاضلة لخلق الله سبحانه وتعالى لأن المال دخل في كل ثنايا العلاقات الفردية والاسرية. فإذا كان مصدر هذه العلاقات المالية “السوء والحرام” فإنها تساعد على نمو مطرد للفساد العائلي المنظور وغير المنظور، فإذا وجدت هذه العلاقة تربة فاسدة في البيت الواحد فإنها تساعد في انمائها انماء عشوائيا ولذا فإن القرآن الكريم ركز تركيزا عظيما على هذا المنظور الاخلاقي في التعامل المالي. أسباب الرزق الحلال.. والحرامويعرج الصوفي على أسباب الرزق الحلال واسباب الرزق الحرام:فمن أسباب الرزق الاول - الايمان الكامل حيث ان الله عز وجل لا يرزق أحدا ايمانا كاملا الا كان رزقه كله من حلال.. ولا يمكن ان يدخل على رزقه واهل بيته - مليما - واحدا حراما حتى لو بلغ به الفقر مبلغه وأوصله الى طريق الجوع، فالاستقامة تكون مطلقة وتشترك مع الايمان المطلق في تشكيل حاجز وسد منيع أمام الرزق الحرام فيكون التوكل على الله اقوى واشد من أي اغراء للحرام او لرزق تشوبه شائبة حرام.- والصبر - الذي يتولد عن الايمان فإن اكتمل الايمان اكتمل الصبر، واول الصبر ان تصبر على رزقك كي يدخل حلالا ويخرج حلالا، وان لم تصبر على رزقك واتبعت خطوات الشيطان خسرت الدنيا وخسرت الآخرة والصبر مفتاح لفرج الله سبحانه وتعالى.- والقناعة من اسباب الرزق الحلال وهي كنز الدنيا وجنة الآخرة وما من انسان تعفف واقتنع بما رزقه الله حامدا شاكرا الا رزقه ربه الرضا وأكساه من ملك الحمد والشكر.- والانفاق: وهو قاعدة الرزق الحلال، وأول المنفقين أولئك الذين يعلمون ان رزقهم حلال، فإن كان الانفاق في أمر الله كان الرزق حلالا، وان كان الانفاق من مال حرام فهو في معصية الله وكان الرزق حراما.. وان أراد بعضهم الانفاق لبعض الفقراء لتبكيت الضمير فإن الله طيب لا يقبل الا الطيب ولا يقبل صدقة من مال حرام أبدا..أما أسباب الرزق الحرام كما يوردها المؤلف فهي: الايمان الناقص وهو الذي يؤدي بصاحبه الى طريق الحرام حتى اذا ما افتقد العبد ايمانه كله لم يعد يفرق بين الرزق الحلال والحرام مطلقاً.والطمع، وهو سيد الحرام وليس من طمع أوصل صاحبه الى الخير أبدا، ونهاية الطمع وان طال اجله خراب وفساد وحسرة وندامة. والبخل، وهو الداء الذي ليس له دواء. سيف الحياءويصل الباحث الصوفي الى الحديث عن موجبات الرزق الحرام وهي ثلاثة: سيف الحياء - الرشوة - الغش.. فسيف الحياء هو ما أخذ من الناس بالحياء دون رضاهم وقبولهم واجبروا على العطاء وهم كارهون حيث يمنعهم حياؤهم من الرفض او المواجهة الحاسمة. وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الامر وقال: (ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام) رواه الشيخان.والرشوة وهي داء عظيم أصيب به المجتمع الاسلامي اصابة في صميم اعماقه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الراشي والمرتشي الى النار والرائش ما بينهما”.رواه الترمذي. فلا تنبيه ولا انذار من رسول الله صلى الله عليه وسلم انما حكم قطعي لا جدال فيه ولا طعن ولا اعتذار ولا استئناف.والغش وهو “موضة” العصر واعتبره الكثيرون براعة وفنا وذكاء تجاريا يستحق صاحبه عليه الثناء.والغش عرفا: هو كل زيادة او نقصان في الشيء عن حده الاعتيادي المتعارف عليه او هو اظهار علامات للبضاعة المعروضة ملفقة وكاذبة لخداع الناس عند الشراء او هو ترغيب كاذب في الشيء المعروض للبيع وتحسين مواصفاته التي هي ليست موجودة فيه اصلا. 


ملخص الخطبة 1- الله هو الرزاق، وقد تكفل برزق الجميع. 2- الرزق أمر مقدر قبل ولادة الإنسان. 3- تقسيم الأرزاق وتفاوت الناس إنما هو قسمة الرزاق الكريم. 4- الإنفاق وسيلة لزيادة الرزق. 5- الرزق لا يطلب إلا من الله. 6- لا تلازم بين محبة الله وسعة الرزق. 7- أسباب شرعية تستجلب الرزق والبركة.

الخطبة الأولى

 

أما بعد: إن الله جل جلاله، خلق الخلق، وتكفل برزقهم وقوتهم، فآواهم وأعطاهم وأمدهم، فهذه تسعة من جوانب عقيدة المسلم في باب الرزق.أولاً: إن الله سبحانه وحده هو الرزاق ذو القوة المتين، قال الله تعالى: ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [الروم:40]، وقال تعالى: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلاْبْصَـٰرَ [يونس:31]، وقال جل ذكره: وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ أَفَبِٱلْبَـٰطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل:72]. إذاً كل ما بيد المسلم في هذه الدنيا فهو من رزق الله له، أموال وبنين، بيوت ودور، مزارع وقصور صحة وعافية، كلها وغيرها من تمام رزق الله لعبده في الدنيا.ثانياً: رزق الخلق في الدنيا من صفات الله الدالة على كمال ربوبيته وقيوميته، انظر إلى ما خلق الله في هذا الكون، تجده كله مرزوقاً متقلباً في رزق الله.ثالثاً: إن من لوزام مقتضيات الإيمان بالقضاء والقدر، في عقيدة المسلم، في باب الرزق، أن كل خير وكل رزق يقدره الله للعبد، لا يمكن أن يخطئه ويستحيل أن يصيب غيره، قال الله تعالى: وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [هود:6]. لقد تكفل الله برزق الخلق عندما خلقهم، فلم يتركهم سبحانه هَمَلاً، ولم يتركهم جياعاً عطاشاً، بل قدر لهم مقاديرهم، وكتب لكل نفس رزقها ولن تموت يا عبد الله، اعلم أنك لن تموت حتى تستكمل الرزق الذي كتبه الله لك.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((إن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)) [السلسلة (2866)].إن رزقك يا عبد الله كتب لك بالدقة، حتى القرش حتى اللقمة، وأنت في بطن أمك، أَرْعِني سمعك وافهم هذا الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً، ويؤمر بأربع كلمات، ويقال له، اكتب عمله و رزقه وأجله، وشقي أو سعيد ثمُ ينفخ فيه الروح)) رواه البخاري ومسلم.فوالله الذي لا إله إلا هو، لو اجتمعت الدنيا كلها، بقضِّها وقضيضها، وجيوشها ودولها، وعسكرها وملوكها وأرادوا أن يمنعوا رزقاً قدره الله لك، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ولو أرادوا أن يسقوك شربة ماء، لم يكتبْه الله لك، فإنك ستموت قبل هذه الشربة.رابعاً: وأيضاً من جوانب الاعتقاد في الرزق، أن تقسيم الأرزاق بين الناس، لا علاقة له، بالحسب ولا بالنسب، ولا بالعقل والذكاء، ولا بالوجاهة والمكانة ولا بالطاعة والعصيان، وإنما يوزع جل جلاله رزقه على عباده، لحكمة هو يعلمها، فقد يعطي المجنون، ويحرم العاقل، وقد يعطي الوضيع، ويمنع الحسيب.ولو كانت الأرزاق تجري على الحجـا هلكـن إذاً من جهلهـن البهائـمولم يجتمـع شـرق وغـربٌ لقاصد ولا المجد في كف امرئ والدراهـمُفإذا أُعطيتَ يا عبد الله، فلا تظن بأن هذا الرزق قد سيق إليك لأنك من قبيلة كذا، أو لأنك تحمل الجنسية الفلانية، أو لأنك أذكى من غيرك، لا، وإنما هذه أرزاق يقسمها مالك السماوات والأرض، لِحِكَمٍ هو يعلمها.خامساً: إن الرزق يُجرىَ للعبد، ليستعين به على طاعة ربه، قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله: "إنما خلق الله الخلق، ليعبدوه، وإنما خلق الزرق لهم، ليستعينوا به على عبادته".إذن يعطيك الله سبحانه ما أعطاك لتلهوَ وتلعب به، وتنسى الدار الآخرة، الذي من أجله خلقت ولأجله أُعطيت، لا يا عبد الله، إن الله أعطاك ما أعطاك، لتستعين به على عبادته، لا لتستخدمه في محرماته. إن أولئك الذين يستخدمون مال الله، فيما حرم الله، وينهكون الصحة والبدن والعافية، التي هي من أَجَلِّ زرق الله، ينهكونه ويسخرونه في شهوات حرمها الله عليهم، هؤلاء بماذا وكيف يجيبون إذا سئلوا يوم القيامة؟بماذا يجيب الذي يستخدم رزق الله، في سفرات محرمة، وجلسات مشبوهة؟بماذا يجيب من يستخدم رزق الله، في إدخال آلات ووسائل محرمة إلى بيته، تستقبل العهر والفاحشة من شرق الدنيا وغربها.بل قبل وبعد هذا؟بماذا يجيب من يستخدم رزق الله في محاربة دين الله؟بماذا يستجيب من يستخدم رزق الله في محاربة أولياء الله؟بماذا يستجيب من يستخدم رزق الله في التمكين لأعداء الله؟إذاً فلْيُعِدَّ كلٌ لسؤال ذلك اليوم جوابا.سادساً: كثيراً ما يُربط في القرآن بين رزق الله للعباد، وبين مطالبة العباد للإنفاق في سبيل الله، من ذلك الرزق، الذي تفضل هو به عليهم، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَـٰكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ وَلَن يُؤَخّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:9-11].وكثيراً ما يصف الله سبحانه المؤمنين بأنهم مما رزقناهم ينفقون، قال الله تعالى: قُل لّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلانِيَةً [إبراهيم:31]، وقال تعالى: وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّا وَجَهْرًا [النحل:75]، وقال سبحانه: ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ [الأنفال:3]، ما دلالة هذه الآيات؟إن هذه الآيات وأمثالها تدل على أن من المقاصد الأساسية لرزق الله للعبد، هو أن يُتعَبَّدَ اللهُ بهذا الرزق، ولهذا تجد أن الفقهاء يذكرون في كتب الفقه، أنّ على العباد، عبادات مالية، ويضربون لذلك مثلاً الزكاة، وعبادات بدنية كالصلاة، ونوع ثالث تجتمع في العبادات البدنية والمالية، ويضربون لذلك مثلاً بالحج. فأنت تنفق من رزق الله وتصرف في الحج تتعبد بذلك لله.إذاً من المقاصد الأساسية لرزق الله، هو التعبد لله به، بالنفقة والزكاة والصدقة والوقف وبإطعام الطعام، والهدية، والهبة، فهذه كلها وغيرها ينفقها المسلم من رزق الله، تعبداً لله.كل هذا ليس بغريب، لكن الغريب هو العكس أن لا يتَعَبَّدَ العبدُ الله من رزقٍ لله، والعجيب أن يمسك العبد عن العطاء لله، من رزق الله.هذا هو الغريب.سابعاً: ومن عقيدة المسلم في الرزق، أن الله جل وعز، فضل بعض الناس على بعض في الرزق، فأعطى هذا وبسط له الكثير، وأعطى ذاك أقل منه، وحرم الثالث فلم يعطهِ شيئاً. قال الله تعالى: وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلْرّزْقِ [النحل:71]، وهذا ليس بغريب وليس بسر، لكن من لطيف أسرار الرزق، أنك تجد الأول الذي بُسط له في الرزق، ويملك الكثير، لا يشعر بذلك، بل يشعر أنه محروم يملك، لكن حياته جحيم، يملك، ويعيش حياة من لا يملك.والآخر، الذي أعطِيَ القليل وفي كثير من الأحيان لا يكفيه، ولا يكفي عياله، ومع ذلك يرى أنه قد أوتي خيراً كثيراً، وأنه رُزق رزقاً عظيماً.ما السر في ذلك أيها الأحبة؟السر، أن الرزقَ الحقيقي رزقُ القلب بالإيمان والقناعة، فمن رزقه الله القناعة، فقد أوتي خيراً كثيراً، وأحسَّ بالسعادة في دنياه قبل آخرته. كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يقول له، "واقنعْ برزقك من الدنيا فإن الرحمن فضل بعض عباده على بعض في الرزق.ثامناً: ومن العقائد المهمة في باب الرزق، أنه لا يُطلب إلا من الله، ولا يُسأل إلا وجهه الكريم، إذا سألت فاسألِ الله، وإذا استعنت فاستعِنْ بالله، ولذا ذمَّ الله تعالى أولئك الذين يدعون غيره في طلب الرزق، فقال سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مّنَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ شَيْئًا وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ [النحل:73]، وأمر جل وتعالى عباده المؤمنين بطلب الرزق عنده فقال: فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ [العنكبوت:17]. من طلب الله وسأله وبذل الأسباب وتوكل عليه، أعطاه الله، وسخر له ما لا يتوقع، ورزقه من حيث لا يحتسب.وأتته الدنيا وهي راغمة.وأما من التفت إلى غير الله، وتعلق قلبه بما في يد فلان وفلان، ظن أنهم سيعطوه، وترك سؤال الله، أذله الله، وحرمه ما تمنى ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له. أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوّ وَنُفُورٍ [الملك:21].أما علم ذلك أولئك الذين باعوا ذممهم لعرض من الدنيا قليل، وباعوا دينهم مقابل قطعة أرض، أو حفنة مال. إن أولئك الذين يلوون أعناق النصوص. ويستظهرون فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان طمعاً في الدنيا، هؤلاء سيمحق الله بركة علمهم إذا كان عندهم علم، وسيمحق بركة العَرَض الذي نالوه، بل وسيمحق بركة حياتهم كلها، أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوّ وَنُفُورٍ .تاسعاً: إن عطاء الله، وإغداقه سبحانه في الرزق على العبد، لا يدل على محبة الله لهذا العبد، ورضاه عنه وَمَن كَفَرَ فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ [البقرة:126]، فلو وُسِّعَ عليك في رزقك، وأصبحت تربح الألوف بدل المئات، والملايين بدل الألوف، فلا تظن بأن هذا بسبب محبة الله لك، فالله قد يعطي الفجار أكثر من الأبرار، وقد يرزق الكافرين أضعاف أضعاف المسلمين، قال الله تعالى: وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا بِيّنَـٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءياً قُلْ مَن كَانَ فِى ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَـِّقِيَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً [مريم:73-76].وأَرْعِني سمعك ـ يا أخي ـ لحديث عقبة بن عامر في المسند، وهو حديث صحيح، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا، وهو قائم على معاصيه فليحذرْ فإنما هو استدراج)) ثم تلا قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ [الأنعام:44]. قال الله تعالى: فَأَمَّا ٱلإِنسَـٰنُ إِذَا مَا ٱبْتَلـٰهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ٱبْتَلَـٰهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّى أَهَانَنِ [الفجر:15، 16].نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، واتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم...

 
الخطبة الثانية

أما بعد: يشغل بالَ كثيرٍ من الناس، طلبُ الرزق، وكيف يكون؟ويلجأ بعضهم إلى طرق ملتوية ومحرمة للحصول على الأرزاق وما علم أولئك أن الحرام يمحق البركة، وجهلوا الأسباب الشرعية التي بها يُستجلب الرزق، وبها تفتح بركات السماء، فإليك ـ يا عبد الله ـ ثمانية أسباب شرعية، بها يُستجلب الرزق، هل تستطيع حفظها والأهم العمل بها؟أولاً: الاستغفار والتوبة، نعم، التوبة والاستغفار، قال الله تعالى: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12]، قال القرطبي رحمه الله: "هذه الآية دليل على أن الاستغفار يُستنزل به الرزق والأمطار"، وقال ابن كثير رحمه الله: "أي إذا تبتم واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم".جاء رجل إلى الحسن فشكا إليه الجَدْب، فقال: استغفر الله، وجاء آخر فشكا الفقر، فقال له: استغفر الله، وجاء آخر فقال: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال: استغفر الله، فقال أصحاب الحسن: سألوك مسائل شتى وأجبتهم بجواب واحد وهو الاستغفار، فقال رحمه الله: ما قلت من عندي شيئاً، إن الله يقول: فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً .ثانياً: ومن أسباب الرزق ومفاتحه، التوكل على الله، الأحد الفرد الصمد، روى الإمام أحمد والترمذي وغيره، بسند صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)) قال الله تعالى: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً
[الطلاق:3].ثالثاً: من أسباب استجداب الرزق، عبادة الله،والتفرغ لها، والاعتناء بها، أخرج الترمذي وابن ماجه وابن حبان بسند صحيح عن أبيهريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يقول: يا ابنآدم تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأَسُد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً، ولمأَسُد فقرك)).رابعاً: من أسباب الرزق، المتابعة بين الحج والعمرة، عن ابن عباس رضيالله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تابعوا بين الحج والعمرة،فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد)) رواه النسائي وغيره بسندصحيح. قال أهل العلم: إزالة المتابعة بين الحج والعمرة للفقر، كزيادة الصدقةللمال.خامساً: مما يُستجلب به الرزق، صلة الرحم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن يبسط لهفيرزقه ويُنْسَأ لهفي أثره،فليصل رحمه)) رواه البخاري. وفي رواية: ((من سره أن يُعظم الله رزقه وأن يمد فيأجله فليصل رحمه)) رواه أحمد.أين أنت ـ يا عبد الله ـ من صلة الرحم، إن كنت تريدبسط الرزق بدون صلة الرحم، فهيهات هيهات، فاتَّقِ الله وصِلْ رحمك يبسط لك في رزقكولعلك تعجب من أن الفَجَرَة إذا تواصلوا بسط الله لهم في الرزق، اسمع لهذا الحديثالصحيح، الذي رواه الطبراني من حديث أبي بكرة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أعجلَ الطاعة ثواباً لَصِلَةُ الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فَجَرة، فتنموَأموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا)).سادساً: من أسباب الرزق أيضاً، الإنفاق فيسبيل الله، قال الله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَخَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ [سبأ:39]. ((أنفقْ يا بلال ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً)) صححه الألباني. روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول اللهتعالى: ((يا ابن آدم أنفِقْ أُنفِقُ عليك)) الله أكبر ما أعظمه من ضمان بالرزق، أنفقْ أُنفقُعليك.سابعاً: من أسباب الرزق ومفاتيحه، الإحسان إلى الضعفاء والفقراء. وبذل العونلهم، فهذا سبب في زيادة الرزق وهو أحد مفاتيحه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هلتنصرون وترزقون إلابضعفائكم)) رواه البخاري.فمن رغب في رزق الله له، وبسطه عليه، فلا ينسَالضعفاء والمساكين، فإنما بهم ترزق ويُعطى لك، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يقول: ((أبغوني في ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)) رواه النسائي وأبو داودوالترمذي.ثامناً: من مستجلبات الرزق، المهاجرة في سبيل الله، والسعيفي أرض الله الواسعة،فما أغلق دونك هنا، قد يفتح لك هناك، وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْفِى ٱلأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً [النساء:100]، كم من الناس تركوا بلاداً،هي أحب البلاد لقلوبهم ولو خيروا لاختاروها على غيرها ـ لكنه الرزق ـ فتح الله عليهم في غير أرضهم، وفي غير بلادهم. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
http://www.bahrainforums.com/showthread.php?t=91562

اسم الله الرزاق



(اسم الله الرزاق - الجزء الأول)

تحليل لحلقة الاستاذ الكبير عمرو خالد

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نحن اليوم نحيا مع اسم آخر من أسماء الله الحسنى فنقول باسمك نحيا يا رزاق. يقول الله تبارك وتعالى"إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" ( سورة الذاريات، آية 58) وأبدأ بالقول أن الهدف من هذه الحلقة أن تثق ثقة شديدة أن الرزق بيد الله؛ لذلك سنتفق على أمرين في نهاية هذه الحلقة، أولاً أن لا نأكل مالاً حراماً، وثانياً أن لا نذل أنفسنا لأي مخلوق من أجل لقمة العيش لأن الزرق ضمنهُ الرزاق.
محاور الحلقة:
v معنى اسم الله الرزاق.
v اسم الله الرزاق في الكون.
v اسم الله الرزاق في القرآن.
v هل الرزق مادي فقط.. مال فقط؟!
v ماذا يريد منا الرزاق؟
v معني اسم الله الرزاق: الرزق في اللغة هو النصيب والقسمة فما قُسم لنا هو رزق. والرزاق هو خالق الأرزاق والمتكفل بإيصالها فالكل يأخذ نصيبه من هذه الأرزاق.
الفرق بين الرازق والرزاق:
لم يُذكر الرازق في القرآن أبدا بل ذُكر اسم الله الرزاق.. فما الفرق بينهما؟ الرازق الذي يعطي ويمنع ويعطي بعض الناس ويمنع البعض الآخر، ولكن الرزاق تتضمن الشمول فالجميع يصله الرزق.. التقي والعاصي على حد سواء.. المؤمن والكافر والمسلم والمسيحي والبوذي. ليس لكل البشر فقط بكل للكائنات جميعا، يقول الله تبارك وتعالى" وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (سورة هود ، آية 6). أما سيدنا إبراهيم فظن أن من يستحق الرزق هم المؤمنين فقط، فعندما دعا قال عليه السلام " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ " (سورة البقرة، آية 126). فرد عليه الله الرزاق تبارك وتعالى أن الرزق للجميع في الدنيا أما الحساب يوم القيامة فقال" قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (سورة البقرة، آية 126).
ففي الأثر أن دعا سيدنا إبراهيم أحد الأشخاص فبدأ الرجل يأكل فرآه سيدنا إبراهيم يسجد للنار فقال له سيدنا إبراهيم: قم لا يجلس على مائدتي كافر فأوحى إليه الله تبارك وتعالى: يا إبراهيم مللت من إطعامه ساعة وأنا أصبر عليه وأرزقه وأُطعمه سبعين عاما.
سر قوله تبارك وتعالى" عَلَى اللّهِ "
لو فكر الجميع بهذا القول ملياً لسعدت البشرية جمعاء. ستسعد بها النملة، الحمامة.. لماذا؟ لأن كلمة إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا تفيد الإلزام فالله ألزم نفسه تبارك وتعالى برزق جميع الكائنات الحية وهذا مقتصر على الله وحدة، أما البشر فيمكن لأحد أن يعطيك وينذرك ويقول لك أنها أخر مرة أو يحدد توزيع الرزق. أما الله الرزاق فكل دابة رزقُها على الله. هذه الآية تُسعد النملة في جحرها.. تُسعد الحوت في بطن الأرض، أفلا يسعد بها الإنسان وهو خليفة الله في الأرض؟! يقول الله تبارك وتعالى إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً " (سورة البقرة،آية 30). فكل ما في الكون خلقه وسخره الله لك.. للإنسان.. للخليفة.. فهل تقبل على نفسك أيها الإنسان بعد ذلك أن تأكل الحرام؟ تكمن أهمية هذه الحلقة في أن الكثير في بلادنا للأسف يأكل الحرام وآخرين يتذللوا للبشر ليحصلوا على رزقهم. أقول لهم جميها انظروا الى اسم الله الرزاق في القرآن.
v اسم الله الرزاق في القرآن.
يقول الله تبارك وتعالى بعد خلق الأرض " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (سورة فصلت، آية9،10،11). ومعني قدر فيها أقواتها أي كتب الله تبارك وتعالى الأرزاق كمقدار كل ما تحتاجه الأرض من ماء، الزرع... هذه الآية دليل يطمئن العبد على رزقه. يقول الله تبارك وتعالى "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ..."(سورة الروم، آية40) فاستعمل الله تبارك وتعالى فعل "رزقكم" بالماضي أي أنه بالفعل تم تقدير الرزق. يقول النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِيْ بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِيْنَ يَوْمَاً نُطْفَةً؛ ثُمَّ يَكُوْنُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُوْنُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيْهِ الرٌّوْحَ، وَيَؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ...) رواه البخاري ومسلم. كمن يرسل ابنه في سفر وأعطاه كل ما يحتاج فيسافر الإبن مطمئن ولله المثل الأعلى.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت روح حتى تستكمل رزقها وأجلها" أتؤمن بذلك أم لا؟ فلن تموت ناقص نَفسْ.. لذلك أقول لكم مهما زاد عدد من يأكل الحرام فلا تكن منهم، وإذا كثر عدد من يؤمن بالله الرزاق بالظاهر فقط، فكن أنت من يتغلغل اسم الله الرزاق في خلايا جسدك، لأن الله لن يتركك فهو قد تكفل برزقك. فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هَدَفي هذه الحلقة من عدم أكل الحرام وعدم التذلل للناس بدعائه بقوله "اللهم اغنني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك" فالرزق سيأتي حتما إما أن تستعجل فتأخذه بالحرام فيكون جزاؤك النار وإما أن تسعى له وتحصل عليه فتدخل الجنة.
قصة الأعرابي مع الآية
اسمع قول الله تبارك وتعالى " وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ "
فالرزق مكتوب لكل كائن حي فنزلت هذه الآية على جزئين الجزء الأول" وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" (سورة الذاريات، آية 22) فلما سمعها الأعرابي قال: صدق الله، ومن ثم عاد نفس الأعرابي بعد عدة شهور فكان حينها قد نزل الجزء الثاني من الآية وهو" فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُم ْتَنطِقُونَ " (سورة سورة الذاريات، آية 23) فبكى الأعرابي عندما سمعها وقال: ماذا فعلتم ليٌقسم الله سبحانه وتعالى أن الرزق حق؟! فنحن صدقناه من الآية الأولى.
يقول الله تبارك وتعالى" أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ" (سورة الملك، آية 21) فمن تذلل لغير الله وهذا على خلاف طلب الحاجات بعزة نفس فيقول عليه الصلاة والسلام " اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير". ويقول الله تبارك وتعالى "قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْض" (سورة يونس، 31) فكما سبحانه وتعالى لا شريك له في ملكه فسبحانه لا شريك له في رزقه. ويتزامن اسم الله الرزاق مع اسم الله الخالق فيقول الله تبارك وتعالى" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ "(سورة الروم، آية 40) ويقول الله سبحانه وتعالى "... هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم...(سورة فاطر، آية 3).
v اسم الله الرزاق في الكون
كنت قد ذكرت سابقاً أن الله تبارك وتعالى يُعرفنا باسمه بطريقتين بكتاب يُقرأ وهو القرآن الكريم أو بكتاب يُنظر وهو صفحة الكون، وهو معجزة من الله تعالى. فقد عرفنا اسم الله الرزاق من القرآن.. الآن سنعرفه من الكون؛ كي لا نتذلل لأحد. سأبدأ لكم بمثال قد مر علينا كثيرا بالمدرسة ولكننا لم نفهمه أو نربطه باسم الله الرزاق، فلو فهمناه باسم الله الرزاق لاستحال أكل الحرام، والمثال هو دورة الماء. سنفهم الآن دورة الماء باسم الله الرزاق. فالماء سر الحياة.. يقول الله تبارك وتعالى" وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ "(سورة الأنبياء، آية 30). بدايةً إن اتساع مساحة البحار بفضل اسم الله الرزاق لأنه عصب الحياة ونحتاجها كثيرا فتكون نسبة الماء 71% من مساحة الأرض ثم يأمر الرزاق البحار أن تكون مالحة كي لا تأسن وتظل صالحة، ومن ثم يأمر الله الرزاق الشمس أن تُسخن هذه البحار، فالشمس تُسخن 16 مليون طن في الثانية، وتُسخن في السنة 505 تريليون طن ماء تتبخر من البحار كي تُروى الكائنات الحية. فيربط الله تبارك وتعالى الرزاق بين الشمس التي تُسخن الماء وبين نزول الماء فيقول الله تبارك وتعالى" وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا، وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا " (سورة النبأ، آية 13،14) ثم يأتي دور الرياح لتحمل ما تبخر على سطح الماء الى أعلى ليبرد وتُنزل الهواء الجاف الى أسفل فيقول الله تبارك وتعالى" اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء " (سورة الروم، آية 48) فمن يقوم بذلك؟ الله الرزاق.
ومن ثم يأمر الله الرزاق السحاب أن يقترب من بعضه البعض حتى يثقل فيقول الله تبارك وتعالى" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا (سورة النور، آية 43) ثم يأتي دور الجاذبية بجذب المياه الى أسفل، ثم ينزل الماء في المكان الذي حدده الله تبارك وتعالى " حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ... " (سورة الأعراف، آية 57). فهذه معجزة الرزاق في إنزال الماء. يقول الله تبارك وتعالى" أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ، لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ "(سورة الواقعة، آية 69،70). لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما ينزل المطر يُعرض نفسه له ويمسح به وجهه وجسده، لأنها معجزة من الله الرزاق. ولذلك يقول النبي أن دعاء المطر مُستجاب. وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يشرب الماء يقول " الحمد لله الذى جعله عذباً فراتاً برحمته ولم يجعلهُ مِلحاً أُجاجا بمعاصينا " فكل نقطة ماء دليل حي على اسم الله الرزاق، وتستمر المعجزة بأن تعرف أن كمية الماء التي تتبخر كل سنة هي نفسها الكمية التي تنزل على الأرض.
كم أنفق الله تبارك وتعالى على الأرض؟
لو سألتكم جميعاً كم أنفق الله سبحانه وتعالى على الأرض لستتمر الحياة على الأرض منذ خلقها حتى اليوم؟ يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي" خلقت السماوات والأرض ولم أعيَّ بخلقهن، أفيُعيني رغيف أسوقه الى عبدي؟ عبدي.. لي عليك فريضة ولك علي رزق فإن خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك..". عرفت كل الكائنات الله الرزاق من طير وسمك إلا أنت أيها الإنسان أيها الخليفة أيها المسلم أيها المؤمن ، فماذا ستقول له يوم القيامة عندما يسألك عن أكل المال الحرام وعن التذلل لغير الله؟ فبماذا سترد على الله تبارك وتعالى؟!!.
عاصم بن جبر واسم الله الرزاق
عاصم بن جبر صحابي أفقر منا جميعا، يوم غزوة خيبر كان جائعا جدا فوجد سُرة فيها شحم فأخذها ومن شدة جوعه قال: والله لا أعطى منها أحد أبداً. فكان النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، فسمعه ونظر اليه النبي وابتسم إليه إبتسامة الغضبان، لأنه هذه ليست أخلاق المسلم. يقول عاصم بن جبر: فاستحييت من نفسي فقال: استغفر لي يا رسول الله فابتسم النبي وانصرف. أقول لكم في هذا الزمن الذي يزيد فيه أكل الحرام لرداءة الظروف الإقتصادية أن تؤمن بالرزاق.. أن تسجد للرزاق ولا تقم بما قام به الآخرين، فنحن ليس هدفنا الكلام.. كلاماً فقط، بل نريد فعلاً وعملاً وتطبيقاً. لذلك أطلقنا على البرنامج اسم "باسمك نحيا" لكي نحيا بحق بأسماء الله.
أدلة حية تشهد على الله الرزاق:
قبل سرد عدة قصص تشهد على الله الرزاق أقول لكم جميعا أن يسأل كل منكم والده عن أحواله الإقتصادية عندما تخرج من الجامعة، فسترى في القصص جميعها فعل الله الرزاق. أما الشاهد الأول فهو عندما مرت على النبي أيام يربط الحجر والحجرين على بطنه من شدة الجوع ومر عليه يوم بعد غزوة خيبر نصيبه من الغنائم غنم بين جبلين أنفقها في سبيل الله، فيقول فيه الرجل: إن محمداً يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبدا. الشاهد الثاني سيدنا أنس بن مالك من خادم للنبي إلى أكثر الصحابة مالاً. الشاهد الثالث سيدنا سلمان الفارسي بيع عبداً وبعد سنوات قليلة أصبح حاكم فارس. الشاهد الرابع شاب محاسب بسيط قدم للسعودية ليعمل فقرأ قول الله " لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ " (سورة الحج، آية28) فقال في هذه الآية سر، فبدأ يبيع بضائع يحتاجها الحجاج وبعد خمس سنين أصبح معه ملايين. أما الشاهد الخامس فهي قصة شاب كان يفرح عندما يهديه أحدهم كرتونة بيض يذهب فرحاً لزوجته يقول رزق ساقه الله إلينا، وبعد سنوات قليلة تصدق هذا الرجل بسيارته القديمة لأن الله رزقه سيارة جديدة.. فمن غيّر حال هؤلاء؟ الرزاق والشواهد كثيرة.
v هل الرزق مادي فقط.. مال فقط؟!!
أشكال الرزق:
ليس كل الرزق مال فقط فأشعة الشمس رزق، والجار الصالح رزق والروح التي في جسدك هي رزق، والزوجة الصالحة رزق والدعاء رزق وركعتين في آخر الليل رزق. فأيهما أحب إليك؟ رزق الجسد - رزق مادي - أم رزق الروح؟ إن الله عندما يغضب على عبد يمنع عنه الرزق. يقول النبي "إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه" ففي الأثر أن رجلا قد ارتكب ذنباً فظن أن الله لم يحرمه الرزق فأوحى إليه الله أنه قد عاقبه فقال له: بلى قد عاقبتك، ألم أحرمك لذة مناجاتي؟ فأرزاق الأرواح أحلى بكثير من أرزاق الأجساد.
v ماذا يريد منا الرزاق؟
1. إياك أن نأكل الحرام، لكي يبقى الأمل في قلوبنا، فأكل الحرام يحرمنا استجابة الدعاء ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم "الرجل يطيل السفر، يقول يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وغُذي من حرام ، فأنى يستجاب له؟!". وهنا أذكر قصة إمرأة عُرض على زوجها رشوة لكي يشهد زورا فرفض فعندما هُدد بطرده ذهبوا لزوجته كي تحثه على أخذ الرشوة مقابل شهادة الزور فقالت لهم: لقد عرفت زوجي أكالاً ولم أعرفه رزاقاً. وأذكر أيضا في هذا الباب قصة شهيرة في التاريخ عن عامل وحاكم في تاريخ المسلمين، فأراد الحاكم أن يُطوع العالم له فذهب الحاكم الى العالم فوجده في المسجد فسأله: ألك حاجة؟ فقال العالم: إني أستحي أن أكون في بيته وأسأل غيره، فانتظره الحاكم حتى خرج العالم من المسجد فلما خرج من المسجد سأله ثانية: ألك حاجة؟ فقال العالم: أحاجة من حوائج الدنيا أم حاجة من حوائج الآخرة؟ فقال قال الحاكم: أنا لا أملك الآخرة ولكن حاجة من حوائج الدنيا فقال العالم: أنا لا أسألها من يملكها أفأسألها من لا يملكها؟!!. انظروا إلى سيدنا علي بن أبي طالب وهو يقول: والله والله لَحفرُ بئرين بإبرتين ولكنسُ الجزيرة بريشتين أهون علي من أقف باب إنسان أسأله بذلِ نفسي والرازق موجود.
2. السعي: لكي تحصل على الزرق المكتوب لك يطلب منك الرزاق أن تسعى لأنه يغضب عليك إن لم تفعل. وهنا أشير للسعي الذي يقوم به المعتمر والحاج، فأصل السعي ورمزها السيدة هاجر التي كانت تبحث عن شيء دنيوي.. تبحث لابنها.. لسيدنا إسماعيل عن ماء فأصبح السعي عبادة لكي يذكرك بالسيدة هاجر التي سعت بالصفا والمروة سبع مرات، الأمر الذي يرهق الشباب، ولكن ماذا كانت نتيجة السعي؟ فينزل جبريل ويضرب بجناحه عند قدم اسماعيل فيخرج نبع ماء يشرب منها المسلمين من آلاف السنين وإلى الآن. يقول لله تبارك وتعالى " وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم " (سورة الأنعام، آية38) أي لا تقولوا عن النحل والنمل هذه أمم حقيرة.. ولكن تعلموا منها.. تعلموا من النحل النشاط والعمل الدؤوب، فالنحلة تتحرك 400 كيلوا أي تلف الأرض سبع مرات لتعمل كيلو عسل ولا تنتظر لتصل الى الخلية بل في طريقها، والنحل في بطنها تحول الرحيق الى عسل، فأخذت اليابان هذه الفكرة فأصبحت تصنع المنتجات على الناقلات في عرض البحر. يُحكي في الأثر أن أحد الأشخاص كان مسافرا في تجارته فرأى طائراً كسيحاً لا يجد من يطعمه فقال مسكين، فأثناء ذلك جاء طائر صحيح وأطعم الطائر الكسيح فرجع هذا التاجر الى بلده وقابل عالماً صديقا له فقال له: لا داعي للسعي فالرزاق موجود وأخبره بقصة الطائر الصحيح والطائر الكسيح فنظر إليه العالم وقال له: أرضيت أن تكون مكان الطائر الكسيح ولم ترضى أن تكون مكان الطائر المعطاء؟
3. أن لا تذل نفسك أبدا.
كلمة للأغنياء:
أخيرا، أقول للأغنياء أمواكم التي معكم ليست لكم بل أنتم مستخلفين عليها. يقول الله" وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" (سورة الحديد، آية 7). أقول للأغنياء عندما قسّم ربنا الأرزاق أعطاكم زيادة لتنفقوها في الزكاة والصدقة على الفقراء " وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"(سورة المعارج، آية 24، 25). أقول للأغنياء لو أديتم زكاة أموالكم لما وصل عدد الفقراء في الأرض الى هذا العدد، وأقول للأغنياء أن الله أعطاكم هذه الأموال الزائدة لتأخذ ثواباً عندما تنفقها على الفقراء. أقول للأغنياء أن هناك حاجزاً بين الأغنياء والفقراء.. أقول لهم أن هناك أمواتاً تحت الأرض وأموتاً فوق الأرض فمن يعيش في العشوائيات هم أموات فوق الأرض. أقول للأغنياء أنكم المسؤولين عن اهتزاز ثقة الفقراء في الرزاق.. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعي" اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر" فالفقر يؤدي الى الكفر فبعدم إعطائكم للفقراء حقهم في أموالكم سقتموهم للكفر. أقول للأغنياء تصدقوا بنية جديدة.. إحياء اسم الله الرزاق في قلوب الفقراء فتقابل الله بها يوم القيامة.
الواجب العملي:
* إطعام فقير بنية إحياء اسم الله الرزاق بين الفقراء وتحبب الفقراء في الرزاق.
* تعريف الناس بأسماء الله الحسنى بنشر هذا الحلقة أو نقل ما قيل فيها للناس لإحياء أسماء الله الحسنى.